أثار قرار الفنان هاني شاكر نقيب الموسيقيين في مصر بإلغاء المهرجانات الغنائية، وتحذير الأماكن السياحية من التعامل مع فرق المهرجانات جدلاً كبيراً خلال الأيام الماضية، وخصوصاً بعد تحقيق هذه الاغنيات نسب مشاهدة عالية للغاية، على رأسها أغنية "بنت الجيران"، هذا فضلاً عن تعلق الجمهور بهذه النوعية من الأغنيات التي إعتبروها مُعبرة عنهم، الأمر الذي جعل هناك حملات كثيرة رافضة لهذا القرار الذي وصفه البعض بالتعسفي، وخصوصا لخروج هذه الفرق من الفقر، ولعل أبرز ما قد يجعل هاني شاكر يتخذ هذا القرار هو رغبته في إعطاء الفرصة لعازفي الآلات الموسيقية ممن هم أعضاء في النقابة للعمل وكسب رزقهم، في ظل إعتماد أغنيات المهرجانات على الآلآت الإلكترونية من دون الحاجة للذهاب لإستوديوهات تسجيل أو الإستعانة بمن يسمون أنفسهم "الآتية".
. "الفن" يرصد في التحقيق التالي آراء أبرز المنتجين المصريين وصناع الموسيقى في ظاهرة المهرجانات الغنائية وموقفهم من منعها أو عدمه في السطور المقبلة:
خسائر بملايين الدولارات
في البداية تحدثنا مع المنتج محسن جابر، والذي أخبرنا عن المهرجانات الموسيقية وأكد على أن الغناء الشعبي هو فن موجود منذ سنوات طويلة، وليس بالحديث على الساحة في الوقت الحالي، وخصوصاً أنه بعد الثورات دائما ما تظهر موضة جديدة من الغناء الشعبي التي يراها الجمهور تُعبر عنه، وأعتقد أن الحل في مواجهة هذه الأغنيات أن نقوم بتطويرها، والعمل على تهيئة الفنانين على تقديم أعمال جيدة تتصدى للرديء من هذه النوعية، وفي الوقت نفسه يؤكد على أن عدد الأغنيات الشعبية والألبومات لم يكن يتخطى 10% كنسبة، مُقارنة ببقية الأعمال العاطفية والرومانسية والنوعيات الأخرى.
وأشار محسن جابر إلى ضرورة الإهتمام بمحاربة القرصنة الإلكترونية، والتي تسببت في الكثير من الخسائر لصُناع الموسيقى في مصر، أفضل من محاربة المهرجانات الشعبية، وقال: "منذ سنوات طويلة وأنا أحارب من أجل تفعيل القوانين الرادعة للقرصنة الإلكترونية، التي تسبب في خسائر ملايين الدولارات لشركات الإنتاج والمطربين، الأمر الذي جعل الصناعة تتدهور وتتحول لإنتاجات إلكترونية من دون سوق الكاسيت والسي دي كما كان الوضع قديماً، وهناك الكثير من الدول العربية التي حاربت القرصنة الإلكترونية، ولكن مصر فيها قوانين غير مفعلة حتى الآن للتصدي لظاهرة القرصنة الإلكترونية، وأعتقد أنه من الأفضل التفكير في محاربة القرصنة وليس المهرجانات الغنائية ومطربيها".
إنتهاكات حقوق الملكية الفكرية
أما الكاتب د. مدحت العدل رئيس جمعية المؤلفين والملحنين، رفض تماماً فكرة الوصاية على الفن والذوق العام للجمهور، مؤكداً في الوقت نفسه على فكرة إختلاف هذه النوعية من الموسيقى عن الذوق العام للجمهور والمجتمع وطباعه، ولكنه يرى في الوقت نفسه أن هذه الموسيقى جاءت من الشارع وتعبر عن الكثير من الشباب البسطاء، كما أشار في الوقت نفسه إلى أن جيل التسعينيات من كبار المطربين الذين تُصنف أعمالهم حالياً بالتراثية، واجهوا أيضا حروباً شرسة في بداية ظهورهم للجمهور.
وأضاف العدل قائلا: "أعتقد أنه من الضروري التصدي لإنتهاكات حقوق الملكية الفكرية التي يواجهها الكثير من صُنّاع الموسيقى في الوطن العربي في الوقت الحالي أفضل من التصدي لأغاني المهرجانات، وخصوصا أنني وجدت الكثير من الشركات تستغل كلمات أغنيات كتبتها منذ سنوات من دون الرجوع لي أو الحصول على حق تنازل عنها لصالحهم، وهذا أمر غير طبيعي ومن الضروري أن تواجهه الدولة والجهات المعنية حفاظا على حقوق الملكية الفكرية، وأنا قد كتبت من قبل أغنيات كثيرة شعبية ولاقت نجاحاً كبيراً، فالجمهور يبحث في الأساس عما يُعبر عنه بشكل صادق، بغض النظر إن كان مهرجاناً غنائياً أو أغنية عاطفية، وأنا مع التنوع وتقنين الأمر وليس محاربته ومنعه".
وضع تصنيف عمري
ومن جانبه أوضح محمد جابر مدير التطوير في إحدى شركات الإنتاج رأيه في المهرجانات الغنائية وأعرب عن سعادته بهذه النوعية من الموسيقى، التي لا يرى في أغلبها وجود أية إيحاءات أو ألفاظ خادشة للحياء، مؤكداً على أن أميركا حاولت القيام بردع مثل هذه الأغنيات التي تحمل ألفاظاً خادشة، ولم تستطع تنفيذه بسبب كثرة الإنتاج الموسيقي الذي يحمل إيحاءات، ولكنها إكتفت بوضع تصنيف عمري على هذه الأغنيات من دون محاولات منعها كما حدث في مصر.
وأضاف محمد جابر، قائلا: "أعتقد أنه بدلا من منع فرق المهرجانات الغنائية من تقديم فن أحبه الناس، أن يكون هناك تقنين وتصنيف عمري لهذه الأغنيات ومحاولات تطويرها ضمن جلسات نقاشية، يكون فيها أبرز صُناع الموسيقى في مصر لرسم خطوط عريضة يسير عليها مطربو المهرجانات الغنائية، وخصوصا أنني لا أرى الحل في المنع، لأنه بعد قرار نقيب الموسيقيين بالمنع نجد أن الجمهور ما زال يستمع لهذه الأغنيات، التي تُحقق الكثير من المُشاهدات على اليوتيوب ومواقع التواصل الإجتماعي، وأعتقد أن الحل يكمن في البحث عن طرق لمحاربة القرصنة الإلكترونية، والتي أثرت بالسلب بشكل كبير في صناعة الموسيقى في مصر خلال السنوات الماضية".
مطربو المهرجانات ومصير حميد الشاعري
أما المنتج حسين عثمان، فيرى أن ظاهرة المنع ليست بالحديثة على نقابة الموسيقيين، بل أنه إستدل على ذلك بقرار منع حميد الشاعري منذ بداية ظهوره من الغناء، والتوصية بعدم تعامل أي من المطربين بالتعاون معه ورفض كتابة إسمه على أية أغنية يقدمها في فترة الثمانينيات، مؤكدا في الوقت نفسه على أن نوعاً جديداً منالموسيقى دائما ما يواجه المنع والرفض من دون وجود محاولات لتقنين هذه الأنواع الجديدة أو محاولات السيطرة عليها من دون منعها.
وتابع حسين عثمان قائلا: "هل من المعقول ألا يمتلك مطرب وفنان متميز مثل حميد الشاعري ساهم في صناعة الكثير من النجوم، كارنيه نقابة الموسيقيين كعضو عامل حتى الآن! أعتقد أن مطربي فرق المهرجانات الغنائية يواجهون المصير نفسه الذي واجهه الفنان حميد الشاعري منذ سنوات، وأنا شخصيا لست ضد هذه الأنواع من الفن طالما أنه لا يحمل ألفاظاً خادشة للحياء، وأتمنى أن تُعيد نقابة الموسيقيين النظر في الأمر".